الأربعاء، 17 يونيو 2020

لماذا لم تنتحر بعد ؟ د. نادية الخالدي


اليوم طويل جدا ، لا أعرف ماذا أفعل  في يومي ، لماذا أعيش هذا اليوم أصلا ؟ لا فائدة مني في الحياة ، ظروفي ، عملي ، أحبابي ، لا مكان لي لشيء منهم أين أنا ؟!
هذه الاستفهامات تأتيني يوميا كاستشارات فردية أو في مجموعات الإرشاد الجمعي ، تنتهي هذه التعبيرات الإسقاطية  إلى جملة : (أريد الانتحار لا أطيق حياتي !)
كلما سمعت هذه الكلمة استحضرت منهجية  
الطبيب النفسي فيكتور  فرانكل المتخصص بالعلاج بالمعنى وهو شكل من أشكال العلاجات  النفسية الوجودية في مسأله الانتحار ، فقد كان يسأل كل من يأتيه العيادة لماذا لم تنتحر بعد ؟ أنت تريد الموت لماذا تعيش إلى الآن ؟ 
سؤال وجيه ودقيق وصادم ، يكشف لنا أن الانتحار هروب وليس رغبة ، وإسقاط وليس حقيقة ، وعلاج بدواء لا علاقة له بالداء.
 لماذا لم ينتحروا بعد رغم كل معاناتهم ؟ 
إن عملية الانتحار هي أجرأ عملية يؤديها إنسان متألم جدا ، لا يريد الانتحار بالعمق لكنه يريد قتل الشعور العميق فيه ، ذاك الشعور الذي يستيقظ معه ، ويأكل معه ، ويفكر معه ، ويراوده بين الحين والآخر بصورة مزعجة ومربكة ومؤذية جدا .
ذلك الشعور  دخل جسده ضعيفا جدا ، وصغيرا جدا جدا إلا أنه كبر مع الإهمال ، وجمع قواه من التراكمات. 
لذلك عزيزي الإنسان المدمر المحبط الضائع أيا كان موقعك النفسي وشعورك الداخلي ، أنت تحب نفسك ، لذلك لا تربط حب النفس بإخفاق أو إحباط أو فشل أو خسارة أو علاقات لا حياة فيها ، بل هي على قيد الموت ، لا تنتقم من جسدك وروحك لأنك لم تعرف كيف تديرهما ، ولا تستهن بمشاعرك الصغيرة ، كفقد معنى بسيط للحياة ، فإياك أن تتساهل بفقدك للذة النوم أو لذة الطعام أو لذة الاستيقاظ في الصباح ، ففقدان اللذة والأخرى تفقدك نفسك ، حتى تظن أنك مفقود كلك ، فتقرر إنهاء الحياة لأنك قررت الموت .
كل الذين انتحروا لم يرغبوا بالانتحار ، لكنهم رغبوا بنحر شعور مخيف مزعج في الحياة ، صوره عقلهم لهم أنه الحياة بأكملها .
لذلك كان يسأل فرانكن لماذا لم تنتحر بعد ؟ لأننا جميعنا مدفوعون بالحياة اذا وجدنا معنى لكل يوم فيها !
‏Twitter &instgram :@drnadiaalkhaldi

ليست هناك تعليقات:

مقالات أميرة القمر (د.نادية الخالدي )

اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول https://www.alraimedia.com/article/1612121

مثل معروف... في مجتمعنا يرمز إلى الشيء الذي لا تصل له، تخرج العيوب فيه وهذا المثل يرجع لقصة كتبها الشاعر اليوناني اسوب، الذي كتب عن ا...