الخميس، 4 مارس 2021

خالي الشهيد يوسف اليعقوب أستودعك الله

  خالي الشهيد يوسف اليعقوب أستودعك الله 


في منتصف شهر أغسطس-١٩٩٠ أذكر هذا الأمر  جيداً، كنت أتجول في شوارع الكويت أثناء الغزو العراقي، في يوم صيفي حار، مع جدتي المتوفاة سارة الطاهر التي كانت تطرق أبواب البيوت باحثة عن ابنها المفقود، تارة يخبرونها أنه بالسعودية، وتارة يخبرونها أنهم رأوه يصور ويوثق أحداث الغزو، وآخرين يجيبون بالنفي أنهم لا يعرفون عنه شيئا!


لم أكن وأنا ابنة الخامسة في ذاك الوقت أملك التصور الكافي لمشاعر جدتي، أو تلك الغصة التي سكنت جدي في محاولاته اليائسة لإيقاف زوجته عن البحث والتقصي، لتترك الأمر له ولأخوته ،ولكنها لم تكن تستجب.

لم أملك حينها ولحظتها استيعابا كافيا لما نحن فيه في تلك الفترة الزمنية، التي هي فترة الغزو العراقي.

كل ما كنت أفهمه أن يديها كانت باردتين، وأننا كنا نجلس بين الحين والآخر  لتبكي خوفا عليه، وتعود لتجمع شتات مشاعرها لتبحث عنه.

جندت الجميع في البحث عنه، وكانت هي الشخص الأكثر بحثا عنه، تسأل الجميع نفس الأسئلة وتحصل على نفس الإجابات، وتعيد نفس الأسئلة مرات ومرات، جلست تنتظره سنين لم تفرح بها بأي مناسبة، وكل مناسبة تحتوي ذكرى الغزو كانت توجعها أكثر،  فإبنها لم يكن أسيرا بشكل رسمي، ولا شهيدا بصورة حتمية، 

كان مفقوداً لا خبر عنه ولا أخبار تصل لها.

وفي رحلة الـ ٣١ سنة الطويلة التي عشتها مع جدتي وجدي، وحضرت وعشت وتعايشت مشاعرهم في انتظار ابنهم، توفاهم الله مودعين الحياة الدنيا بأمل مفقود. كانت السنة الماضية هي سنة فقداننا لجدي، وسبقته بخمس سنوات جدتي، وظهرت هذه السنة وفاة ولدهم، وكأن الألم يرفض أن يسقط الأمل من بريق أعينهم التي انتظرته كل هذه السنين، والأمل الذي كان بقلبهم كل لحظة وحين.

وكأن الألم خجل من وجعهم فترك سنوات طوالا تداوي الآلام عنهم.

رحمهم الله بعدم وصول رفاته في حياتهم، ورحمتهم السنين في أخذ مساحة التقبل والقبول اللازمة في تقبل أي فجيعة تحدث.

اليوم ٣-٣-٢٠٢١

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران (169)


بكل فخر أزف لكم خبر استشهاد خالي، بطل الكويت  وجسور الموقف الصعب، ورجل الموقف الصعيب، الشهيد يوسف يعقوب محمد اليعقوب، الذي قدم روحه فداء للكويت الحبيبة، ودافع بجسارة عن بيت كل كويتي، اليوم ٣-٣-٢٠٢١ تلقينا خبر استشهاده، كان بطلا للتصدي ضد إهانة كرامتنا والتعدي على شرف كل منا، وسلب أرضنا وممتلكاتنا، وكما أنه شارك بشجاعته لصد كل ألم عنا، أنا  اليوم اشارككم  بطولته لنتشارك بالدعاء له، فيارب تقبله قبولا حسنا، وارزقه منزلة العليين، وأسكنه الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء.


ابنة أختك نادية الخالدي

ليست هناك تعليقات:

مقالات أميرة القمر (د.نادية الخالدي )

اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول https://www.alraimedia.com/article/1612121

مثل معروف... في مجتمعنا يرمز إلى الشيء الذي لا تصل له، تخرج العيوب فيه وهذا المثل يرجع لقصة كتبها الشاعر اليوناني اسوب، الذي كتب عن ا...